سجنٌ جديد يحيط باللاجئين السوريين في لبنان

سجنٌ جديد يحيط باللاجئين السوريين في لبنان

يلتفتُ السوريون حول العالم فلا يجدون إلا المصائب تحومُ حولهم من كل حدب وصوب. لكن مع أزمة فايروس كورونا المستجد كان للمصائب شكلاً آخر، فها هو القاتل الجديد للسوريين يفتك بما بقي من أرزاقهم وسبل معيشتهم، ربما ليس بشكل مباشر بل بما يفعل وسيفعل من خلال آثاره المتراكمة، حيث أظهر المسح الذي أجراه مشروع “اللاجئون=شركاء” بعضاً من الأرقام التي تعمّق جراح اللاجئين في لبنان بما يتعلق بالطعام والطبابة والمدخول المادي خلال فترة الإغلاق العام، الذي اتخذته السلطات اللبنانية أسوة بباقي دول العالم، كإحدى الإجراءات المتبعة للحد من انتشار فايروس كوفيد 19.

أظهرت الأرقام أن حوالي 88% من العينة العشوائية المؤلفة من 340 شخصاً سورياً مقيماً في لبنان، لم يحصلوا على أي مدخول مادي من العمل طيلة تلك الفترة، وأن ثلثي العينة تقريباً حصلت على طعامها من خلال الدَّين والاقتراض، كما حصلت ربع العينة فقط على طبابتها وأدويتها الضرورية.

 

ما التغيير الذي طرأ على أسلوب حياة هؤلاء؟

“أصبحنا مثل السجناء، لكن دون أن تقدم لنا إدارة السجن أي طعام”. هذا ما قاله أحد أفراد العينة التي أجابت على الاستبيان، إذ وصف فترة حظر التجول بالسجن. في حين يعدد غيره عشرات المصائب التي انكبّت على رأسه ورأس عائلته منذ مجيئه إلى لبنان، إذ يضيف أنه كان دائماً يشعرُ بالخوف وكأنه هارب إلى مكان مجهول، لكن مع أزمة كورونا، وقف مكانه، فبدلاً من أن يهرب، صار الخوف يُحاصره فلا يستطيع التنقل أو العبور أو الهرب مرة أخرى. “نحن ميتون بدون قبر أو حتى كفن.. الوضع كان سيئاً والآن صار في القاع”. يضيف أخر.

العراء هو ما ينتظرُ آلاف العائلات السورية اللاجئة التي لم تعد قادرة على دفع آجار منازلها، إذ يهدّد أصحاب العقارات بطردها بعد عجزها عن الدفع للشهر الثالث على التوالي. تعبّر أحداهن عن سخطها تجاه كل الإجراءات المتخذة بحق اللاجئين، وتقول “لم نستفد لا من المفوضية ولا من المساعدات الغذائية ولا المالية.. أشعر بالعجز أمام أولادي”. ربما اعتادت هذه المرأة على العمل بين يوم وثلاثة أيام في الأسبوع بسبب تراجع فرص العمل، وتمنت لو أنها تصل الليل بالنهار لتحصّل لأبناءها على مدخولا أكبر، لكن مع أحداث الثورة اللبنانية أولاً ومن ثم جائحة كورونا، لم يكن أمامها من خيار سوى الجلوس ومشاهدة أولادها “كيف يذبلون امام عينها” على حد وصفها.

وبعيداً عن الآجارات والتعليم والاهتمام بالأطفال، كانت شريحة المرضى هي الأكثر تضرراً، إذ كان يتلقى أغلبهم المساعدات بطريقة أو بأخرى، أما اليوم فعليهم أن يبحثوا عنها ويسعوا إليها، تقول إحداهن “لدي ولدان مريضان، ولا أتلقى أي مساعدة من الأمم المتحدة، ولولا أهل الخير لكنا في عداد الموتى”. تُقارن تلك السيدة بين وضعها حالياً ووضعها قبل جائحة كورونا وتقول “قبل ذلك كنت أعمل بشكل متقطع، وأحضر الأدوية بالدين، وأقطنُ تحت الدرج، أما اليوم فالوضع مأساوي وأنا محبطة للغاية”. وتصف ذهابها للعمل بمن “يسرق” لأن عليها التسلل في فترة الإغلاق العام والبحث عن عمل وإيجاده من أجل إطعام عائلتها المؤلفة من 7 أشخاص.

“فوق الموت، عصّة قبر” يقول أحدهم مكرراً ما تحدث به أقرانه عن الفقر وصعوبة تأمين الطعام والدواء وآجار المنزل، ويضيف “الحالة النفسية متعبة جداً، ونحنُ دائماً نتشاجر في المنزل أو ربما (نتفشش) ببضعنا البعض بسبب عدم الشعور بالراحة، أتشاجر بشكل يومي مع زوجتي وأبنائي والجميع على حق”.

اضطرّ عدد من اللاجئين السوريين إلى إرسال عوائلهم إلى سوريا والبقاء في لبنان من أجل العمل أو لعدم تمكنهم من العودة لأسباب مختلفة، فتشتت شملهم مرة أخرى.. ربّ الأسرة في لبنان، والزوجة والأبناء في سوريا.. يُعاني كلاً منهم في مكانه، وتوحدهم الفكرة ذاتها: “الموت بالكورونا هو أهون مائة مرة من الموت جوعاً أو فقراً أو بمرض آخر”.

LEAVE A REPLY

Your email address will not be published. Required fields are marked *