من مجدل عنجر، بلدة صغيرة تعالج قضايا اللاجئين

من مجدل عنجر، بلدة صغيرة تعالج قضايا اللاجئين

تقع بلدة مجدل عنجر الصغيرة على الحدود الشرقية، وهي على معرفة جيدة بسوريا، إذ أنها على مرمى حجر من معبر المصنع الحدودي. يعتمد اقتصادها بشكل كبير على التجارة، وهناك العديد من الأسواق على امتداد الطريق السريع الذي يمر عبر المدينة وصولاً إلى الحدود. مع ذلك، لم يكن من المتوقع أن يصبح النزاع في سوريا بهذا العنف  مثلما حدث في العام 2012، ما أدى إلى تهجير الآلاف الذين فرّوا من أجل سلامتهم إلى هذه البلدة الصغيرة.

“يرتبط تاريخ مجدل بالسوريين لأنها مدينة حدودية”، هذا ما قاله رئيس بلدية مجدل عنجر سعيد ياسين لـ “اللاجئون= شركاء”، “عندما بدأ النزاع في سوريا … رحّبنا في البدء بالسوريين – المهجّرين منهم واللاجئين”. وأوضح ياسين أن مجدل عنجر كانت نقطة عبور للاجئين الذين كانوا ينوون قضاء بضعة أيام هناك قبل انتقالهم إلى أماكن أخرى داخل أو خارج لبنان.

حتى يومنا هذا، لا يوجد بيانات واضحة لتعداد اللبنانيين والسوريين في مجدل عنجر، أو حتى في أي منطقة أخرى في لبنان. لم ينظم لبنان أي إحصاء رسمي منذ العام 1932، ولم يكن هناك سياسة تنظيمية وواضحة فيما يخص اللاجئين منذ بداية النزاع. في بادئ الأمر سجل اللاجئون أنفسهم لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى أن اضطرت وكالة الأمم المتحدة إلى إيقاف التسجيل في 6 أيار/ مايو 2015 بناء على طلب من الحكومة اللبنانية.

حسب تقدير ياسين، يوجد في مجدل عنجر الحدودية بين 19,000 و 21,000 مواطن/ة لبناني/ة، بالإضافة إلى نحو 23،000 إلى 25،000  تقريبا من اللاجئين/ات السوريين/ات. من ناحية أخرى، تقدّر مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن هناك 18,000 مواطن/ة لبناني/ة، و 14,500 لاجئ/ة مسجلين لدى الأمم المتحدة، و بين 3000-4000 غير مسجلين.

إلقاء العبء على البلديات

قال رئيس البلدية لـ “اللاجئون= شركاء”، “أعطت الحكومة اللبنانية البلديات صلاحيات من دون أي دعم”. موضحاً أن الحكومة لم تلعب أي دور في دعم اللاجئين وإمدادهم بالماء أو الكهرباء أو السكن أو أي شيء آخر من ضرورات سبل عيشهم الأساسية.

نتيجة لذلك، اضطرت مجدل عنجر، كما العديد من البلدات الأخرى في لبنان، إلى الاعتماد على دعم مختلف المنظمات غير الحكومية ومجموعات الإغاثة للمساعدة في رعاية اللاجئين. نظرياً، تقع مسؤولية تنفيذ الاستراتيجية الخاصة باللاجئين السوريين في البلد وفي جميع بلديات لبنان على عاتق وزارة الداخلية اللبنانية، ولكن، عملياً، لم يحصل هذا أبداً. في مقابلة له مع (المفكرة القانونية) وضّح خليل جبارة، مستشار وزير الداخلية آنذاك، نهاد المشنوق، أن سبب عدم حصول ذلك هو الخلافات السياسية الداخلية في الحكومة حول النزاع في سوريا. لعبت الوزارة دوراً صغيراً في تنفيذ السياسة المتعلّقة باللاجئين وذلك من خلال تمرير بعض التعميمات القانونية سيّما فيما يتعلق بوضع مخيمات اللاجئين وأمكنتها.

بالإضافة إلى ذلك، واجهت مجدل عنجر المزيد من المشاكل في البنى التحتية بسبب الزيادة السكانية، خاصة حالة الطرق، دون أن تتلقى أي دعم فني أو مالي من الحكومة المركزية. وألقى ياسين باللّوم أيضاً على سوء إدارة الحكومة اللبنانية للموارد المالية والمساعدات التي تهدف إلى دعم المجتمعات المضيفة.

التعاطف في السراء والضراء

” قبل الأزمة، كان السوريون يأتون إلى مجدل عنجر بشكل منتظم لأنها مدينة حدودية” هذا ما قاله خالد غنيم العضو في بلدية مجدل عنجر ل “اللاجئون= شركاء”. “[منذ] ذلك الوقت مهما وقع من مشاكل، كانت البلدية تعتبرها مشاكل محلية وتهتم بحلّها، مهماً كان سببها أو مسببها”. أوضح غنيم أن مجدل عنجر رفضت فرض سياسة تمييزية بين اللبنانيين والسوريين. وقال: “حصل الجميع في مجدل عنجر على نفس الخدمات سواء أكانوا لبنانيين أو سوريين.”

ومع ذلك، تذمّر بعض سكان مجدل عنجر من تزايد عدد اللاجئين السوريين والمنافسة المتزايدة في سوق العمل، ضمن اقتصاد لبنان المتردي أصلاً. اعترف غنيم، الذي يتولى بشكل رئيسي شؤون اللاجئين في مجدل عنجر، بأن بعض السكان احتجوا، مطالبين بإغلاق المتاجر التي يديرها سوريون، لكن البلدية رفضت ذلك. “أخذت [ بلديات أخرى] بعض القرارات بفرض حظر التجول من الساعة 9 مساءً حتى 6 صباحًا، لكن نحن لم نفرض شيئًا كهذا هنا “. ثم أوضح : “[هنا] تنطبق القوانين على الجميع، فمثلاً، يطبّق قرار حظر الدراجات النارية بعد الساعة 10 مساءً على الجميع”. وعندما سُئل عن رأيه عن البلديات الأخرى التي تفرض حظر التجول والقيود الأخرى، قال غنيم إنه “لا يريد إصدار أحكام” وقال: “لا أعرف ما الذي دفعهم لاتخاذ هذه القرارات، أو إذا تسبب أي من [السوريين] اللاجئين بحادثة ما هناك، ما أعرفه هو أنه على الناس أن يعاملوا بعضهم بعضاً على قدم المساواة.”

حماية اللاجئين السوريين المعرضين للخطر واللبنانيين الأشد ضعفاً

على الرغم من التعاطف، فإن الموارد المحدودة في مجدل عنجر التي تعاني بالأصل من صعوبات اقتصادية، بالإضافة إلى الانخفاض الكبير في المساعدات الدولية ومنع الحكومة اللبنانية من تسجيل اللاجئين في الأمم المتحدة، يعني استمرار هؤلاء اللاجئين في معاناتهم.

عند مقابلة مجتمعات اللاجئين في أمكنة سكنهم في الخيام، يلاحظ انتشارعمالة الأطفال. أطفال ومراهقون يبيعون أكياساً ثقيلة من البطاطا في الشارع القريب من مخيم اللاجئين، في شهر كانون الأول/ ديسمبر البارد والعاصف، ومعظمهم لا يمتلكون الملابس الكافية لحمايتهم من البرد. كانت بُنى الخيام مهلهلة، والمحظوظون منهم من يمتلكون الطوب لتدعيم خيامهم.

صرّح بعض اللاجئين، الذين آثروا عدم ذكر اسمائهم لأسباب تتعلق بالحماية، لـ “اللاجئون= شركاء” أن المشرفين على المخيمات، والمعروفين باسم (شاويش) هم من كانوا يسهّلون عمالة الأطفال في الحقول الزراعية غالباً. حتى أنهم في بعض الأحيان كانوا يمنعون الأطفال من الذهاب إلى المدرسة. غالباً ما كان هؤلاء المشرفون يتعاونون مع ملّاكي الأراضي الذين أجّروا أراضيهم لمخيمات اللاجئين.

وما زال اللاجئون يتضررون من تراجع المساعدات الدولية، حيث أخبر أحدهم الـ “اللاجئون= شركاء” أن بعض العائلات فقدت استحقاقها في الحصول على بعض المساعدات النقدية والغذائية. في العام 2018، لم تستطع المفوضية تأمين إلا 45٪ من التمويل المطلوب لبرامجها في لبنان، ومع عدم وجود أي مسار للتسجيل، مما يترك العديد دون وثائق ومعرضين للخطر، كان استمرار التدهور في ظروف سُبُل العيش متوقعاً. يدفع 81% من اللاجئين السوريين إيجارات سكنهم، رغم عدم قدرتهم على العمل بشكل قانوني في جميع المجالات تقريباً في لبنان، ويعمل بعضهم مقابل الحصول على السكن بدلاً من كسب المال.

تشارك اللاجئون السوريون الذين تحدثوا مع “اللاجئون= شركاء” آراءهم حول عودتهم إلى ديارهم، فهم يريدون العودة إلى الظروف المعيشية الطبيعية والعيش بكرامة، لكنهم يخشون من عدم استقرار الوضع الأمني وخطر مواجهة التجنيد الإجباري في الجيش السوري.

علّ التشارك في التاريخ والإنسانية  يهدئ من التوتر

على الرغم من كل شيء، بُذلت جهود للحفاظ على الروابط شبه العائلية والتماسك الاجتماعي بين اللبنانيين والسوريين في مجدل عنجر. وقامت المنظمات غير الحكومية بذلك بشكل رئيسي وبدعم من البلدية. إحدى هذه المنظمات هي  منظمة (النساء الآن للتنمية)، وهي منظمة لبنانية غير حكومية، تأسست في العام 2015 ، ولديها مكتب في مجدل عنجر. تعمل (النساء الآن) على تعزيز التمكين الاقتصادي والتعليمي للمرأة. صرّحت مديرة مكتب مجدل عنجر، الدكتورة سحر درباس، في حديثها مع “اللاجئون= شركاء” أن المنظمة تدرّب النساء على اكتساب المهارات اللازمة لجعلهنّ مستقلات اقتصادياً ولتوفير فرص العمل أمامهن. “لقد وصل العديد من النساء [من سوريا] … بمفردهن مع أطفالهن، وواجهن بمفردهن مصاعب الحياة”. وتابعت درباس “لذلك نحن نرغب بتقديم الخدمات النوعية لهن للاستفادة منها”. تقدم (النساء الآن)  العديد من الدورات التعليمية للفتيات والشابات، بما في ذلك دورات للإلمام بالكمبيوتر ودورات لغة. تقدم (النساء الآن) أيضًا الدعم النفسي والاجتماعي وتعمل على إعادة إدماجهن في المجتمع بعد المرور بتجارب صادمة.

والجدير بالذكر أن البرنامج يشمل أيضاً نساء من مجدل عنجر. وقالت درباس “أكثر من 30٪ من المشاركات هنّ [نساء] من مجدل عنجر”. وأضافت “عندما أتت المنظمات غير الحكومية [أثناء أزمة اللاجئين] لتقديم هذه الخدمات، قدمتها أيضاً للمجتمع المضيف الذي يفتقر هو أيضاً لمثل هذه الخدمات، وهذا شيء إيجابي”

وبطبيعة الحال، أدى هذا إلى نتائج إيجابية على مختلف الصعد. “في البداية، كنا قلقين بسبب وجود بعض الاختلافات” مشيرة إلى الاختلافات في مناهج التعليم وفي بعض العادات والتقاليد، أضافت درباس “لكننا أدركنا من خلال جلساتنا أن العلاقات توطدت ونشأت صداقات بين المجتمعين”.

LEAVE A REPLY

Your email address will not be published. Required fields are marked *